في ظل محدودية دخل الشريحة الكبرى من الأردنيين، يجد كثير من الناس أنفسهم أمام حالة “شبه مستحيلة” لادخار ما تيسر من المال بعد تلبية متطلبات الحياة اليومية والمصاريف الثابتة، مثل فواتير الماء والكهرباء والاتصالات وأقساط المدارس والإيجار وغيرها.
وإذا ما أضيفت القروض إلى قائمة “مهلكات الدخل” شهريا يصبح أمر الادخار في “خبر كان”، إذ تقدر دراسات غير رسمية أن الفجوة بين نفقات الأسر ودخلها الشهري قد تصل إلى 1000 دينار، فيما يجد المواطن غالبية ما يتقاضاه شهريا يذهب لسداد الأقساط والفواتير وثوابت شهرية، بينما يتلاشى ما تبقى للإنفاق من دون تخطيط.
ويقول الأربعيني حمزة عودة: “سداد أقساط القروض والفواتير من كهرباء ومياه وإنترنت ومدارس وأمور ثابتة أخرى، يقضم غالبية الدخل المحدود بالأساس، وما يتبقى فإنه بالكاد يكفي لسداد الاحتياجات المعيشية”.
بالمقابل، تتطلب الحياة اليومية مصاريف متعددة وهذا يدفع باتجاه مقولة “اصرف ما بالجيب يأتيك ما بالغيب”، لأنه وفي هذه الحالة يصبح من الصعب حساب ما ينبغي إنفاقه أولا في كل مرة، فهناك العديد من الأمور الخارجة عن الحسبان تأتي كل يوم تغطى أحيانا بالاقتراض.
وتشير البيانات الأخيرة لدائرة الإحصاءات العامة في شأن دخل ونفقات الأسرة صدرت العام 2018، وبينت أن 49 % من الأسر الأردنية يقل إنفاقها عن 833 دينارا شهريا (10 آلاف دينار سنويا)، وأن 9 % من الأسر الأردنية في المملكة يقل إنفاقها السنوي عن 5 آلاف دينار (416.6 دينار شهريا)، في حين أن 13 % يزيد إنفاقها السنوي عن 20 ألف دينار (1666 دينارا شهريا).
وأظهرت أرقام رسمية صادرة العام الماضي، عن البنك المركزي أن نسبة الادخار انخفضت في العام 2022 إلى 4.35 % من 9.35 % العام 2017، مقابل زيادة متطلبات الإنفاق خصوصا على الاحتياجات الأساسية والتي تحتاج إنفاقا أكبر بوجود دخل متناقص بالقيمة الشرائية، وارتفاع كلف المعيشة.
مرح خالد، ترى أن المتطلبات اليومية كثيرة ومتجددة، وهذا يجعل من الصعب تخصيص نفقات منتظمة لكل شيء على حدة، كما أن الكلف والأسعار في الأسواق تزيد مقابل ثبات في الأجور والرواتب.
هذا يجعل من الصعب توزيع الدخل ما بين النفقات الثابتة وبين المتطلبات والاحتياجات الأخرى، وهو ما يجعل الإنفاق أقرب للعشوائية التي تنتهي بنهاية الأمر بنفاد المال قبل نهاية الشهر أو موعد الراتب التالي.
أما بخصوص الادخار، فتقول مرح: “إن هذا الأمر بات في السنوات الأخيرة أقرب للخيال خصوصا مع زيادة مغريات الترفيه ما بين المطاعم والمقاهي أو حتى الحاجة إلى شراء الملابس لمجاراة المجتمع في هذا الأمر، ما يدفع في كثير من المرات للجوء إلى بطاقات الائتمان وتحميل الإنفاق لرواتب الأشهر المقبلة، وهو يزيد من “عشواتية وعدم ضبط توزيع الدخل” برأيها.
وفي هذا الأمر يقول الخبير الاقتصادي زيان زوانة: “إن الأردنيين يعانون من ضعف الدخل، إذ إن الأجور مجمدة منذ سنوات، يضاف إلى ذلك تحكم عادات اجتماعية بالأردنيين ليجدون أنفسهم ضعفاء أمامها”.
ويضيف زوانة أن قائمة متطلبات الحياة اصبحت بلا نهاية، حيث دخلت القائمة مصاريف الهاتف المحمول والإنترنت ومتطلبات الترفيه وكثيرا من بنود الإنفاق التي أصبحت شبه ضرورية، وصعب الاستغناء عنها، مع الأخذ بعين الاعتبار شغف الأردنيين بالإنفاق، وبالتالي نجدهم يأنون تحت وطأة الدين بأشكاله كافة.
أمام هذا كله يقول زوانة: “إن الأردنيين مقتنعون أن الحكومات غير قادرة على توفير مزيد من الوظائف ولا رفع الأجور ولا المواطن قادر على التخلص من عاداته وقلة الرواتب أمام متطلبات حياة يصعب الخلاص منها بكل ما يعنيه هذا له من مشاكل مالية ونفسية واجتماعية”.
يذكر أن آخر رقم للفقر وفقا لمسح دخل ونفقات الأسرة 2018-2017 بين أن معدلات الفقر على مستوى المملكة تقدر بـ 15.7 %.
في حين قدر خط الفقر المطلق (الغذائي وغير الغذائي) العام 2010 بـ 813.7 دينار للفرد سنويا، وهو ما يعادل 366 دينارا شهريا للأسرة المعيارية ( 5.4) فرد، بينما كان 680 دينارا للفرد سنويا العام 2008، أي ما يعادل 323 دينارا شهريا للأسرة المعيارية (5.7) فرد.