الأراضي الفلسطينية- سلطت عمليتا الاغتيال اللتان نفذهما الاحتلال الإسرائيلي قرب طولكرم بالضفة الغربية ضد مقاومين باستخدام مسيرات -في أسلوب ليس الأول من نوعه، وفي مكان يحمل دلالات- الضوء على مدى القلق الذي يعيشه الاحتلال من تطور المقاومة وتزايد تأثيرها في الضفة، وسعيه للقضاء عليها بكل الوسائل وتحت جميع الظروف، بحسب مراقبين.
وفي منطقة مفتوحة وبعيدة عن مخيمات مدينة طولكرم التي يصفها الاحتلال بأنها بؤرة المقاومين ومركز نشاطهم، اغتال الاحتلال 5 مقاومين في قصف بمسيَّرة عند السادسة من صباح أول من أمس، وفي منتصف نهار اليوم نفسه قتل الاحتلال -وبنفس الطريقة وعلى مقربة من مكان الاستهداف الأول- 4 مقاومين آخرين، وتخلل القصفين اقتحام طولكرم ومخيميها نور شمس وطولكرم الذي جرَّفته آليات الاحتلال ودمَّرت بنيته التحتية.
ولم يكن هدف الاحتلال عبثيا، فأبرز المستهدفين في الاغتيال الأول هو هيثم بليدي (أبو النور) ابن مخيم طولكرم وأحد قادة كتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وأسير محرر أمضى سنوات بسجون الاحتلال بتهمة إيواء المطارد الشهيد أشرف نعالوة، وأفرج عنه قبل أقل من عامين، إلى جانب عبدالجبار الصباغ أحد قادة سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد، وجمال أبو هنية ابن مدينة قلقيلية.
وسبق هذا الاستهداف العسكري، حسب حسن خريشة السياسي الفلسطيني وابن مدينة طولكرم، تحريض واستهداف سياسي من قبل قادة الاحتلال أمثال الوزير بتسلئيل سموتريتش الذي دعا إلى “تحويل طولكرم إلى غزة ثانية”.
وثمة أسباب، كما يقول خريشة، أصبحت تزعج الاحتلال وتدفعه لإنهاء حالة المقاومة بطولكرم، منها ما يواجهه الاحتلال من بسالة المقاومين داخل المدينة وخارجها وإلحاقهم خسائر مباشرة بصفوف جنود الاحتلال ومستوطنيه، مضيفا أن طولكرم تعد “خاصرة رخوة” للاحتلال بسبب قرب المسافة مع الكيان، وبالتالي سهولة تنفيذ أعمال المقاومة ذات أثر كبير.
وأضاف أن من الأسباب كذلك سعي المقاومة بطولكرم لتطوير وسائلها القتالية الأكثر إيلاما، وأهمها، كما ادعى الاحتلال “تصنيع الصواريخ” لضرب عمق الكيان المحتل.
وأضاف أن طولكرم أصبحت بؤرة للتشكيلات العسكرية من مختلف المدن الفلسطينية وباتت تضم كثيرا من المقاومين.
ورغم محاولاته العديدة، لم يستطع الاحتلال إدخال الفرقة بين هؤلاء المقاومين رغم اختلاف انتمائهم السياسي والأيديولوجي، وقد أثبتوا أنهم “عابرون للتنظيمات” حسب وصف خريشة.
ويرجع المتحدث عمليات الاغتيال الجماعي لظهور المقاومين واستعراضاتهم وتنقلهم بشكل جماعي، وضعف خبرتهم الأمنية تزامنا مع انتشار مسيَّرات إٍسرائيلية ترصد كل تحركاتهم، مما أدى لسقوط أعدادا كبيرة منهم.
ورغم ذلك، يؤكد خريشة أن الاغتيالات لن تضعف المقاومة بل ستزيدها بفعل الحاضنة والالتفاف الشعبي حولها، ونتيجة لذلك -يقول خلفت حالة الاستشهاد “رمزية وقدوة” لجيل الشباب الذين زاد التحاقهم بالمقاومة.
لكن هذه المقاومة لا تزال تحتاج “لعقول كبيرة وإطار أكثر تنظيما ودقة” توجههم بما يضمن استمرار المقاومة وتصاعدها وبما يعززها ويجعلها نهج حياة للفلسطينيين، وبما يحفظ أمن المقاوم “لأننا نقاوم من أجل دحر الاحتلال وليس من أجل رفع عدد الشهداء”.
أما عقل صلاح الأكاديمي والمحلل السياسي الفلسطيني، فيرى أن هذه الاغتيالات “سياسة قديمة جديدة” ينتهجها الاحتلال بفعل طبيعته الدموية وتعطشه لقتل أكبر عدد من الفلسطينيين بغض النظر عن الهدف المحدد إن كان فردا أو جماعة، ولا تقيم اعتبارا لوجود المدنيين.
ويتفق صلاح مع خريشة في أن أهم أسباب هذه الاغتيالات هو تصاعد نشاط المقاومين وقدرتهم على تطوير أدوات القتال، وخاصة بما يتعلق بالعبوات الناسفة التي أثرت بالاحتلال فعلا. مضيفا أن وجود مقاومة لا يتسق مع قرارات الاحتلال ودعواته لعودة المستوطنين إلى شمال الضفة الغربية (مستوطنات أخلاها الاحتلال عام 2005).
لكن هناك أسبابا غير مباشرة تجعل من هؤلاء المقاومين صيدا سهلا للاحتلال وبالتالي عليهم تجنبها، ويقول صلاح “المقاومون وبحكم حداثة تجربتهم وخبرتهم لا يأخذون الاحتياطات الأمنية، وولوجهم إلى الحداثة الإلكترونية جعلهم أكثر عرضة لعمليات الاغتيال والتصفية”.
وأمام ذلك كله، يضيف صلاح أن إسرائيل تصارع الزمن لإنهاء ظاهرة المقاومة شمال الضفة الغربية تحديدا وبأي ثمن خوفا من انتقال العمليات النوعية إلى مناطق أخرى، لكن “المقاومة لن تنتهي إلا بانتهاء الاحتلال”.
ويتفق الخبير الفلسطيني بالشأن الإسرائيلي عادل شديد في تحليله مع ما ذهب إليه خريشة وصلاح، ويقول إن الاحتلال يعيش أزمة عميقة في غزة ولبنان عجز من خلالها عن إعادة الهدوء إلى مواطنيه، وهذا يدفعه للهروب إلى الأمام وخلط الأوراق.
ويرى شديد أن هنالك بنية تحتية وقدرات نوعية جديدة للمقاومة لم تعهدها الضفة خلال العقدين الأخيرين، الأمر الذي بات يحرج الكيان المحتل سياسيا وأمنيا وعسكريا، مشيرا إلى أن حكومة المستوطنين المتطرفة تعتبر أن كسر المقاومة بالضفة أولى أولوياتها.
ومع ذلك، يعتقد شديد أن “كل الأساليب الإحتلال لكسر هذه المقاومة بالضفة باءت بالفشل، وما زالت البيئة الاجتماعية والجماهيرية تشكل حاضنة ورافعة للمقاومة، وبالتالي يراد كسر هذه البيئة عبر زيادة الفاتورة والكُلفة واستخدام الحد الأقصى من القدرة العسكرية”.
وتشير المعطيات إلى أن الاحتلال واستجابة لما يصنفون بأنهم قادة اليمين المتطرف وقادة بالجيش- صعَّدت الآونة الأخيرة من استهداف المقاومين في الضفة عبر الاغتيال من الجو، سواء بالقصف المباشر عبر الطيران الحربي أو بالطائرات المسيَّرة، وكان لمدينتي جنين وطولكرم تحديدا التي فقدت 131 شهيدا منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) النصيب الأكبر من هذه الاغتيالات.