من المعلوم أن الاستدلال إنما يكون على الأصول لا على الآثار؛ عنيت أن الدليل إنما يطلب على القواعد والأصول الشرعية لا على آثار هذه القواعد والأصول، فمثلا من مدّ رجليه في مجلس ثم دخل عليه أحد والديه سرعان ما ضمهما تأدبا واحتراما لهما، فهل يأتي شخص فيقول أعطني دليلا من القرآن والسنة فيه أمر من الله أو نبيّه صلى الله عليه وسلم على ضمّ الرجلين بحضرة الوالدين؟! فهذا أثر من البديهة أنه لا يحتاج إلى دليل؛ إذ ورد الدليل على القاعدة والأصل المتعلّق به في القرءان الكريم وذلك بقوله تعالى: “وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا” (لقمان:15)
ومن هنا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاب السائل الذي سأله عن سبب صيام يوم الاثنين وانتبه أخي هو لم يسأل عن يوم الاثنين بل عن صيام هذا اليوم؛ أي كأنه يقول: يا رسول الله لم تشكر الله تعالى يوم الاثنين؟ أو كأنه يقول: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تفرح وتُسرّ يوم الاثنين؟ فكان أول جواب جاوبه صلى الله عليه وسلم أن قال: “ذاك يومٌ ولدت فيه” (رواه مسلم في صحيحه)
فأعطانا صلى الله عليه وسلم الدليل على الأصل والقاعدة وهو شكر الله تعالى على ولادته صلى الله عليه وسلم بتخصيص ذاك اليوم بالصيام مثلا، وترك لنا آثار هذا الدليل، فمن جمع الناس وقرأ القرآن الكريم، ثم قرأ سيرته صلى الله عليه وسلم، ووزّع الطعام لا يكون مبتدعا مرتكبا للحرام؛ إذ غاية ما في الأمر أنه شكر الله تعالى على ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم بما لا يخالف شرع الله تعالى. ولذلك فإن عمّ النبي صلى الله عليه وسلم العبّاس رضي الله عنه عبّر عن شكره لله تعالى بأبيات قالها؛ فقد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ الله إني امتدحتك بأبيات، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: “قلْ لا يَفْضُضِ اللهُ فاك” فأنشد العباس رضي الله عنه قائلا:
من قبلِها طبت في الظلالِ وفي مستودعٍ حين يخصفُ الورقُ
وأنت لما وُلدتَ أشــرقتِ الأرضُ وضـــاء بنــــــــــوركَ الأُفُـــقُ
فإذًا النبي صلى الله عليه وسلم احتفل بمولده بصيام يوم الاثنين، والصحابي الجليل العباس رضي الله عنه احتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بأبيات قالها، والمسلمون قديما واليوم يحتفلون بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة القرآن وذكر سيرته وإطعام الطعام.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.